ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

شرح قصيدة لوحة الزمن للمتنبي مع معاني الكلمات


شرح قصيده لوحة

سبق المتنبي فلاسفة العدمية في قصيدته التي استهلها بعبارات تتواتر من جيل لآخر:
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا** وعناهم من شأنه ماعنانا

وتولوا بغصة كلهم منـ ** ـه وإن سر بعضهم أحياناً

ربما تحسنالصنيع لياليـ ** ـه ولكن تكدر الإحسانا

وأتبعها بوصف شامل وصادق لأصولالنفس البشرية:


وكأنا لم يرض فينا بريب الـ ** ـدهر حتى أعانه منأعانا

كلما أنبت الزمان قناة ** ركب المرء في القناة سنانا


ثم توجهإلى كل بني البشر شارحاً حقيقة بسيطة:

ومراد النفوس أصغر من أن تتعادى فيهوأن تتفانى

واستتدرك مستذكراً عمق شعوره بكرامته:

غير أن الفتى يلاقيالمنايا ** كالحات ولا يلاقي الهوانا

وعاد ليؤكد حقيقتين بسيطتينأخريين:

ولو أن الحياة تبقى لحي ** لعددنا أضلنا الشجعانا

وإذا لميكن من الموت بد ** فمن العجز أن تموت جبانا

وخلص أخيراً إلى جوهر الفلسفةالعدمية:

كل ما لم يكن من الصعب في الأنـ ** ـفس سهل فيها إذا هوكانا


يقول العكبري في شرح البيت الأول: عناه يعنيه: إذا أتعبه وأهمه. والمعنى : يقول: قد صحب الناس زمانهم قبلنا، وأتعبهم في شأنه الذي أتعبنا . يريد أنكل الناس يهمهم الزمان.
ويقول العكبري عن البيت الثاني: الغصة: ما يتجرعهالإنسان من مرارات الزمان.
وسرّ: أفرح. وأحيانا: جمع حين، وهو الوقت.
يقول: صحبوا الزمان، ثم ماتوا بغصة، لم يبلغوا ما أملوا من الزمان، وان كان قد فرحهمحينا، فقد نغصهم أكثر مما فرحهم. والمعنى: يريد إن أحدا لم ينل مراده منالزمان.
ويقول العكبري عن البيت الثالث: الصنيع: الإحسان. والمعنى : يقول: الدهرإن أحسن أولا، كدّر وأساء آخراً، هذه عادته يعطي ثم يرجع، وإذا أحسن لا يتمالإحسان.
ويقول العكبري عن البيت الرابع: المعنى: قال أبو الفتح: هذا والذيقبله أحسن ما قيل في الزمان، وان طباعه الشر، وفعل الزمان منسوب إلى القضاء،فالزمان لا يفعل شيئاً، وإنما يفعل فيه، وكذا قولهم: يوم سعيد، فاليوم لا يوصفبسعد، وإنما يوصف به من يشتمل عليه اليوم. وقال الواحدي: يريد هو الذي أعان علىالدهر، كأنه لم يرض بما يصيبني من محنه حتى أعانه علي.

ويقول العكبري عن البيتالخامس: السنان: زج الرمح الذي يطعن به. والمعنى: قال الواحدي: يقول : إذا ابتدرالزمان للإساءة بما جبل عليه، صارت عداوة المعادي مددا لقصده نحوك، فجعل القناةمثلا لما في طبع الزمان. والسنان مثلا للعداوة. وقال أبو الفتح والخطيب: الزمان إذاانبت قناة، إنما ينبتها بالطبع، ولا يشعر لأي شيء تصلح، فيتكلف بنو آدم اتخاذالقناة، توصلا إلى هلاك النفوس، فالزمان يفعل ولا يشعر ما يراد به. وهذا من كلامالحكيم: يقول: من صحة السياسة أن يكون الإنسان كلما ظهرت سنة عمل بها، بحسب السياسة .
ويقول العكبري عن البيت السادس: المعنى: يقول : الدنيا فانية، والمراد فيهافان، وهي اقل من أن يعادي بعضنا بعضا، لأجل مراد النفس وهو ذاهب فانٍ. وهذا نهي عنالتحاسد والمعاداة، وفيه نظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم المجمع على صحتهحديث انس وغيره"لا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا" وما أحسن هذا ! ولقد أحسن أبو الطيب في هذا المعنى. وهو من كلام الحكيم: ليس الحزمإفناء النفوس في طلب الشهوات، بل في درك العالم العلوي.
ويقول العكبري عن البيتالسابع: كالحات: معبسات. والمعنى: يقول : لقاء الموت الكريه أهون من ملاقاة الهون ،لان الحر يرى الموت أهون عليه من الهوان. ولله دره - وما أحسن هذا ! وما أخفه علىالألسنة ! فلا ترى أحدا يناله أدنى شيء إلا استشهد به.
ويقول العكبري عن البيتالثامن: المعنى: يقول: لو كان الجبان يسلم من الموت ويلقاه الشجاع، كان الشجاع ضالافي إقدامه، لأنه يتعرض للقتل، ولكن الحياة لا تبقى لشجاع ولا لجبان، بل الموت ينالالجميع.

والحكم التي ساقها كبير الشعراء هي:
-أن كل الناس يعانون في هذهالحياة وأيام المعاناة أكثر من أيام السعادة .
-أن الإنسان يساهم في شقائهويساعد الدهر على صناعة الشقاء والحرب
-أن الشريف الشجاع يفضل الموت علىالهوان
-إن الحياة لو تدوم لأحد لكان الشجاع أحمق بخوضه الأخطار لكن الكل ميّت
-ما دمت ستموت فلتمت شجاعاً خوّاضاً الوغى
-كل شيء يبدو للإنسان صعباً فإذاحصل يصبح سهلاً.



*** سر جمال القصيدة:
-اعلم بأن العربية لغةموسيقية لاتصافها بغزارة الأصوات الناتجة عن الحركات والتنوين وتنوع مخارج الحروفمن شفوية إلى لثوية إلى جوفية إلى حلقية
والموسيقى الشعرية نوعان:
خارجيةوهي موسيقى الوزن والقافية
وفي هذه القصيدة البحر هو الخفيف بحر يناسب الحكملقصره
والقافية هنا ممدودة والمد مناسب لروح الأسف والحسرة التي تخيّم علىالقصيدة إذ هي تتناول الموت ،تماماً كما تتحسر النائحة بالمد .


-والموسيقى الداخلية :
وتنتج عن التناسب بين الحروف
وهنا نجدالكلمات :
عناهم وعنانا
نتعادى ونتفانى
تحسن والإحسانا

*** جمال القصيدة ناتج كذلك عن التصوير إذ جعل الشاعر الزمان صاحباً يعاني منه صاحبه يحسنالصنيع مرة و ويكدّر الإحسان مرات
وحين ينبت الدهر قناة يركب الإنسان فيهاسناناً كناية عن تسعير الحرب

*** ومن الهام أن نلحظ أن من أهم
أسبابجمال القصيدة تعبيرها عن واقع الناس المعايش وملامستها همومهم بحيث يستمتعونبتردادها ولم يزالوا يحفظون أبياتها إلى اليوم


إرسال تعليق

0 تعليقات